Monday, June 4, 2007

المنظومة الشكلية لجماعة الإخوان ... لماذا التحزب والتقسيم لجماعات

هناك أناس مخلصون يرون أن الجماعات ما هى إلا سبب لفرقة والتقسيم بين أبناء الأمة خاصة مع ما نره من تعصب بعض العاملين فى هذه الجماعات لجماعتهم دون غيرها ومهاجمتهم للعاملين للإسلام فى أى حقل دعوى آخر غير حقله مما يزكى روح الفرقة والاختلاف، فى جوعام كان الأولى فيه أن يكون المسلمون على قلب رجل واحد فى مواجهة ما يحاك بهم ويكاد لتدمير هويتهم وأمتهم.

وبالفعل نرى هناك على الساحة خلافات بين بعض أفراد الحركات الاسلامية التى تختلف فى الوسائل والمناهج، ولكن هناك ملحوظات على هذه الخلافات:
1- أنه لا يجب تعميمها، فأكثر العاملين فى مجال الحركة الاسلامية إن لم نقل جلهم يحترم العاملين معه فى ذات الحقل الدعوى حتى وان كان فى جماعة أخرى. ولا سيما نرى ذلك فى كبارات وعلماء وقادة هذه الحركات الاسلامية.

2- أن السبب فى هذه النزاعات لا يجب أن نرجعه لوجود جماعات متعددة تعمل على الساحة، وإنما يتم إرجاعه لسلوك الأفراد ذاتهم وقلة خبراتهم سواء بعدم تحصيلهم العلم والسلوك الكافيين لتقويم تعامله مع الآخرين فى الجماعات الأخرى، أو يرجع إلى تقصير من جماعته فى توضيح ذلك المفهوم والمعنى لأفرادها.

والآن دعونا نقف عند النقاط التالية

1-
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ".افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قيل ومن هي يا رسول الله؟ قال من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي وفي لفظ : " هي الجماعة " .
فما هو موقف الجماعات الاسلامية على الساحة من هذا الحديث ؟ولماذا تـختلف الأمة إلى جماعات؟

2-ما هى ضرورة العمل الجماعى؟ وما هو حكمه الشرعى؟

3-من مواقف وأقوال العلماء فى العمل الجماعى

4-ما هى ضوابط الجماعات الاسلامية؟

5-الإخوان المسلمين وموقفهم من الجماعات المختلفة؟


يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ".افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قيل ومن هي يا رسول الله؟ قال من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي وفي لفظ : " هي الجماعة " .
فما هو موقف الجماعات الاسلامية على الساحة من هذا الحديث ؟ولماذا تـختلف الأمة إلى جماعات؟

أوضح العلماء أن الجماعات المقصودة فى الحديث انما مقصود بها الجماعات المختلفة فى العقيدة، أما الجماعات العاملة للإسلام انطلاقا من عقيدة صحيحة هى عقيدة أهل السنة والجماعة، كجماعة الغخوا المسلمين والتبليغ والدعوة والجماعة السلفية وانصار السنة و... و ... غيرها، فإنها غير مقصودة فى ذلك الحديث، بل وذهب العلماء لوجوبها او استحسانها كما سيأتى لاحقا فى ساؤل حول العمل الجماعى وحكمه الشرعى.
وجاء فى فتوى من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالسعودية : " كما أن كل من هذه الجماعات تدخل في الفرقة الناجية، إلا من أتى منهم بمكفر يخرج عن أصل الإيمان، لكنهم تتفاوت درجاتهم قوةً وضعفاً بقدر إصابتهم للحق وعملهم به وخطئهم في فهم الأدلة والعمل. فأهداهم أسعدهم بالدليل فهماً وعملاً. فاعرف وجهات نظرهم، وكن مع أتبعهم للحق وألزمهم له، ولا تبخس الآخرين إخوتهم في الإسلام، فترد عليهم ما أصابوا فيه من الحق، بل اتبع الحق حيثما كان ولو ظهر على لسان من يخالفك في بعض المسائل، فالحق رائد المؤمن، وقوة الدليل من الكتاب والسنة هي الفيصل بين الحق والباطل.أ.هـ

ولعل السبب فى وجود هذه الجماعات المختلفة فى عصرنا الحالى يرجع إلا أن الحياة أصبحت أكثر تعقيدا وتشعبا، مما سيؤدى بالضرورة لدى أبناء الحركة الإسلامية إلى اختلافات فى الأولويات والوسائل، نشأت منه وعنه هذه الجماعات المختلفة. التى ترمى للحفاظ على الفرد المسلم فى ذاته أو اعادة الرفعة والوجدة لأبناء هذا الدين خاصة مع انتشار المسلمين فى شتى بقاع الأرض و غياب مؤسسة حقيقية ترعى مصالح المسلمين وتعيد بناء الفرد المسلم.

ويقول الشيخ بن باز حول تعربفه للجماعة فى هذا الحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فإذا وجد إنسان أو جماعة تدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وتدعو إلى توحيد الله واتباع شريعته فهؤلاء هم الجماعة ، وهم من الفرقة الناجية ، وأما من دعا إلى غير كتاب الله ، أو إلى غير سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا ليس من الجماعة ، بل من الفرق الضالة الهالكة ، وإنما الفرقة الناجية : دعاة الكتاب والسنة ، وإن كانت منهم جماعة هنا وجماعة هناك ما دام الهدف والعقيدة واحدة ، فلا يضر كون هذه تسمى : أنصار السنة ، وهذه تسمى : الإخوان المسلمين ، وهده تسمى : كذا ، المهم عقيدتهم وعملهم ، فإذا استقاموا على الحق وعلى توحيد الله والإخلاص له واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا وعملا وعقيدة فالأسماء لا تضرهم ، لكن عليهم أن يتقوا الله ، وأن يصدقوا في ذلك ، وإذا تسمى بعضهم بـ : أنصار السنة ، وتسمى بعضهم بـ : السلفيين ، أو بالإخوان المسلمين ، أو تسمى بعضهم بـ : جماعة كذا ، لا يضر إذا جاء الصدق ، واستقاموا على الحق باتباع كتاب الله والسنة وتحكيمهما والاستقامة عليهما عقيدة وقولا وعملا ، وإذا أخطأت الجماعة في شيء فالواجب على أهل العلم تنبيهها وإرشادها إلى الحق إذا اتضح دليله .


ما هى ضرورة العمل الجماعى؟ وما هو حكمه الشرعى؟
ما هى ضرورة العمل الجماعى؟ وما هو حكمه الشرعى؟
ترجع ضرورة العمل فى جماعة إلى شقين هما:

1- ضرورة واقعية 2- فريضة شرعية

أولا : هذه الجماعات لها ضرورة واقعية ومميزات بالتفكير العقلى:

1- المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه
يقول الدكتور القرضاوى:

"والواقع يُرينا أن المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، وأن جهود الأفراد مهما توافر لها من إخلاص، لا تستطيع أن تُؤثر التأثير المطلوب لتحقيق الهدف المنشود؛ لأنها ضعيفة الطاقة، محدودة المدى، وقْتية التأثير. وقد يكون الأفراد كثيرين، ولكن تعدد الاتجاهات، واختلاف المسالك، وفقدان الربط والتنسيق بين العاملين، يُبعثر الجهود ويضعف من تأثيرها. أما العمل الجماعي، فيضم الجهود بعضها إلى بعض، وينسق بينها ويوجهها إلى خدمة الهدف المقصود، ويجعل من اللَّبنات الضعيفة بمفردها بُنيانًا مرصوصًا يشدُّ بعه بعضًا "

ويقول د.وليد احمد فتيحى :

"والواقع يحتم أن يكون العمل المثمر جماعياً، فاليد الواحدة لا تصفق، والمرء قليل بنفسه، كثير بإخوانه، ضعيف بمفرده، قوي بجماعته، والأعمال الكبيرة لا تتم إلا بجهود متضافرة، والمعارك الحاسمة لا يتحقق النصر فيها إلا بتضام الأيدى"


2- الهجمة على الإسلام تقاد من قبل منظمات وجماعات لذا لا تقابل إلا بجهد حماعى
يقول د.عبد الحميد البلالى:

يجتهد ويتعاون أعدا الإسلام لمحاربته من خلال التجمعات والأحزاب والهيئات فإذا أمام هذه الهجمات المنظمة المتتالية،" وهذه المنظمات الكثيرة التي تعمل ليل نهار للقضاء على دين الإسلام، وهذه الملايين من الدولارات التي تنفق لهذا المخطط الرهيب… هل يمكن أن نقابل كل ذلك بجهود فردية؟ لا يمكن أن يقول بذلك عاقل، فالجهود الجماعية لا تقابل إلا بجهود جماعية والتخطيط يقابل بالتخطيط والجهد يقابل بجهد يقابله أو يزيد عنه.


أما عن المميزات:
مميزات تعود على الفرد نفسه:
1- صحبة تعينه على الخير وتعنى به وتحافظ عليه.
2- المساعدة فى اكتشاف مواهبه وقدراته وتنميتها.
3- التنافس المحمود
أن هذا التنوع من شأنه أن يثير التنافس المحمود بين الجماعات، بما يعود بالنفع على الحركة الإسلامية ذاتها.

4- تنوع يفيد التكامل
هذا التمايز إنما نشأ عن اختلاف فى الأولويات والوسائل والمناهج، مما يفيد بالحفاظ على جوانب الدين المختلفة كلها بحسب ترتيب أولوية هذه الجوانب عند كل جماعة، فواحدة تهتم بالثقافة والعلم الشرعى فى أولى أولوياتها وأخرى تركز الاهتمام على الجانب التعبدى وعلاقة العبد بربه، وثالثة تعنى بالاسلام وتطبيقاته فى نواحى الحياة المختلفة، ورابعة تقدم الخدمات الاجتماعية والمشروعات الخيرية.

5- تنوع يستوعب كل من يحب العمل للإسلام على اختلاف المواهب والقدرات
أن هذا التنوع يؤدى بالتبعية إلى فتح مجالات متعددة تمكن من استيعاب كل الراغبين فى العمل من أجل الإسلام، كل بحسب تفكيره ومواهبه. فمن يحب تحصيل العلم الشرعى بالأساس بمكنه أن ينضوى تحت هذه المجموعة، ومن يفضل التحرك فى الخدمات الاجتماعية والمشاريع الخيرية فعليه بتلك وهكذا..




ثانيا: العمل للإسلام فريضة شرعية
من لم يتفق من العلماء على وجوب العمل الجماعى، فهو لم ينكره بل أقره وفق ضوابط.
إلا أن الكثير من العلماء يذهبون لوجوب العمل الجماعى للإسلام، وضرورة الحركة للإسلام داخل منظومة جماعية، وساقوا على ذلك الأدلة النقلية من الكتاب والسنة واجتهادات العلماء، بالضافة لاستقراء التاريخ ومواقف أئمة الإسلام على مدار سيرهم وحياتهم.

1- روح الإسلام تقوم على الجماعة
تقوم العديد من شعائر وعبادات هذا الدين على الجماعية، وتضامن المسلمين وتوحدهم، ولذا كان أجر الصلاة جماعة يفضل صلاة الفذ، فالدين يأمرنا بالاتحاد والتعاون على البر والتقوى، والعمل للإسلام من أخص أعمال البر والتقوى وأهمها وأشدها خطرًا.
ويقول د.عبد الحميد البلالى

وقد " أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أمته بتأمير مسئول للركب "إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم" (رواه الطبراني بإسناد حسن عن ابن مسعود)، وكذلك تعيين أمير للحج. وهناك أحاديث كثيرة صحيحة في هذا الشأن، فإذا كانت الجماعة التي لا تتجاوز ثلاثة في الحج والسفر أمرها ملزم شرعيا، فكيف بجماعة يقومون بما هو أعم وأشمل من الحج وأهم من أمر السفر العادي وهو الدعوة إلى الله تعالى." واقامة شرعه فى الأرض ووالتمكين لهذا الدين.


وهكذا تتعدد الخطابات القرآنية للمجتمع المسلم فى خطاب جماعى، ونصائح توحى وتلزم المؤمن بأن يعيش فى جو جماعى لا ان يعيش منفردا منعزلا.
"واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا"
"والعصر إن الإنسان لفى خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"


2-ولتكن منكم أمة
يقول الدكتور القرضاوى:


والأمة ليست مجموعةَ أفراد مُتناثرين ولا مجرد جماعة، جاء في تفسير المنار:
"والصواب أن الأمة أخصُّ من الجماعة، فهي الجماعة المُؤلفة مِن أفراد لهم رابطةٌ تضمهم ووحدة يكونون بها كالأعضاء في بنْية الشخص".
والقرآن يُطالبنا فيقول: (ولْتَكُنْ منْكمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ، وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ). (آل عمران: 104)


3- ما لا يتم الواجب به فهو واجب
يقول الدكتور القرضاوى:


والقاعدة الشرعية تُقرر: "أن ما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب"، وإقامة مجتمع إسلامي تحكمه عقيدة الإسلام وشريعته، أمر واجب، ولا سبيل إلى تحقيق هذا الواجب إلا بجماعة وأمة.




4- المؤمنون بعضهم أولياء بعض
يقول الدكتور القرضاوى:

وإذا نظرنا إلى القوى المُناوئة للإسلام ـ على اختلاف أسمائهم وأهدافها ووسائلها ـ وجدناهم يعملون في صورة جماعاتٍ وتكتُّلات وأحزاب وجبهات، ولا يُقبل ـ في ميزان الشرع لا العقل ـ أن يُقابل الجهد الجماعي المنظم، بجهود فردية مُبعثرة، وإنما يُقابل التكتل بتكتُّل مثله أو أقوى منه، ويُقابل التنظيم بالتنظيم، كما قال أبو بكر لخالد: حاربْهم بمثل ما يُحاربونك به السيف بالسيف، والرمح بالرمح، والنَّبْل بالنبل.
وإلى هذا يُشير قوله ـ تعالى ـ: (والذينَ كَفَرُوا بعْضُهُمْ أولياءُ بعضٍ، إلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرضِ وفَسَادٌ كَبِيرٌ). (الأنفال: 73).. أيْ: إنْ لم يُوالِ بعضكم بعضًا: وينصر بعضكم، كما يفعل الكفار، تحدث الفتْنة والفساد، لاتِّحادهم وتفرُّقكم وتناصُرهم وتَخاذُلكم.



5- لم يرد من الدين ما يحرم ذلكيقول الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق:

"ونقول إنه لم يأت في كتاب ولا سنة ولا قول لأي من سلف الأمة ينهى فيه أن تتجمع جماعة من المسلمين على فعل خير وبر وتقوى، فكيف تؤصلون أصلاً لا سند له من كتاب ولا سنة ولا قول سلف صالح من هذه الأمة، بل الكتاب والسنة والإجماع كلهم داعون إلى التعاون على البر والتقوى، والتآزر، والجهاد الجماعي من أجل رفعة الدين، وجعل كلمة الله هي العليا في الأرض كلها، ودحر الباطل وأهله في كل مكان."

من مواقف وأقوال العلماء فى العمل الجماعى
وينقل لنا التاريخ مواقف وأقوال العديد من علماء المسلمين والذين تحركو فى جهادهم ودعوتهم فى عمل جماعى..

ابن تيمية وشرعية العمل الجماعي:

اسمع قول ابن تيمية في شرعية العمل الجماعي، مما لا تكاد تصدق أنه من كلام القدماء يقول رحمه الله:
وأما لفظ الزعيم فإنها مثل لفظ الكفيل والقبيل والضمين، قال تعالى: "ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم" فمن تكفل طائفة فإنه يقال: هو زعيم، فإن كان قد تكفل بخير كان محمودا على ذلك وأن كان شرا كان مذموما على ذلك، وأما رئيس الحزب، فإنه رأس الطائفة التي تتحزب أي تصير حزبا فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان، فهم مؤمنون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا، مثل التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل وإعراض عمن في حزبهم، سواء كان على الحق أو الباطل، فهذا من التفرق الذي ذمه الله ورسوله، فإن الله ورسوله، أمر بالجماعة والائتلاف، ونهيا عن التعاون على الإثم والعدوان.
وقد أقام الله عز وجل الأمر بالمعروف علامة فارقة بين الإيمان والنفاق، يقول الله عز وجل: "المنافقون والمنافقات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون" التوبة 66.
ويقول أيضا: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم". التوبة 71.
ليس الدين مجرد ترك المحرمات الظاهرة بل القيام بجميع ذلك بالأوامر المحبوبة لله تعالى أيضا وأكثر الديانين لا يعبأون منها إلا بما شاركهم فيه عموم الناس.
وأما الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة لله ورسوله، ودينه وكتابه فهذه الواجبات لا تخطر ببالهم فضلا عن أن يريدوا فعلها وفضلا عن أن يفعلوها.
وأقل الناس دينا وأمقتهم إلى الله، من ترك هذه الواجبات وإن زهد في الدنيا جميعا، وقل أن ترى منهم من يحمر وجهه ويتمعر لله ويغضب لحرماته، ويبذل ماله في سبيل نصرة دينه.
والنبي صلى الله عليه وسلم كانت ساعاته موقوفة على الجهاد وقلبه ولسانه ويده، ولهذا كان أرفع العاملين ذكرا وأعظمهم عند الله مقدرة.


رأى الإمام أبو حنيفةوأبو حنيفة يرى ضرورة العمل الجماعي والالتقاء على رجل صالح، ونسوق هذه القصة والتى تؤكد ذلك
قال ابن المبارك: لما بلغ أبا حنيفة قتل إبراهيم الصائغ بكى حتى ظننا أنه سيموت، فخلوت به، فقال: كان والله رجلاً عاقلاً، ولقد كنت أخاف عليه هذا الأمر.
فقال ابن المبارك : وكيف كان سببه؟
قال أبو حنيفة: كان يقدم ويسألني، وكان شديد البذل لنفسه في طاعة الله، وكان شديد الورع، وكنت ربما قدمت إليه الشيء فيسألني عنه ولا يرضاه ولا يذوقه، وربما رضيه فأكله، فسألني عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى أن اتفقنا أنه فريضة من الله تعالى فقال لي: مد يدك حتى أبايعك، فأظلمت الدنيا بيني وبينه،
فقال ابن المبارك: ولم؟
قال أبو حنيفة: دعاني إلى حق من حقوق الله فامتنعت عليه وقلت له:إن قام به رجل وحده قتل، ولم يصلح للناس أمر، ولكن إن وجد عليه أعوانًا صالحين ورجلاً يرأس عليهم مأمونًا على دين الله لا يحول. وكان كلما قدم علي تقاضاني، فأقول له: هذا أمر لا يصلح بواحد، ما أطاقته الأنبياء حتى عقدت عليه من السماء, وهذه فريضة ليست كسائر الفرائض، لأن سائر الفرائض يقوم بها الرجل وحده، وهذا متى أمر به الرجل وحده أشاط بدمه، وعرَّض نفسه للقتل، فأخاف عليه أن يعين على قتل نفسه، وإذا قتل الرجل لم يجترئ غيره أن يعرض نفسه، ولكنه ينتظر، وقد قالت الملائكة: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)
ثم خرج إلى مرو حيث كان أبو مسلم فكلمه بكلام غليظ، فأخذه، فاجتمع عليه فقهاء أهل خراسان وعبّادهم حتى أطلقوه، ثم عاوده فزجره، ثم عاوده ثم قال: ما أجد شيئًا أقوم به لله تعالى أفضل من جهادك، ولأجاهدنك بلساني ليس لي قوة بيدي، ولكن يراني الله وأنا أبغضك فيه فقتله.

ونرى هنا أن أبو حنيفة كان يرى أن يتجمع المسلمون على رجل صالح ويتحدوا على مهم القيام بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، نعم يرسى ابو حنيفة هذا الامر بقوله " إن قام به رجل وحده قتل، ولم يصلح للناس أمر، ولكن إن وجد عليه أعوانًا صالحين ورجلاً يرأس عليهم مأمونًا على دين الله لا يحول. وكان كلما قدم علي تقاضاني، فأقول له: هذا أمر لا يصلح بواحد، ما أطاقته الأنبياء حتى عقدت عليه من السماء, وهذه فريضة ليست كسائر الفرائض، لأن سائر الفرائض يقوم بها الرجل وحده"

الشيخ الدكتور عبد الله عزام ـ رحمه الله ـ

إذا كان هذا هو حال البشرية اليوم من الفساد، والانحلال والشقاء والضنك فالخلاص يمكن في تكوين جماعة إسلامية، تأمر بالمعروف، وتنهي عن المنكر، وتتحمل تكاليف الدعوة إلى الله.


الشيخ محمد بن عبدالوهاب إمام السلفية المعاصرة والعمل الجماعي.ونضرب مثالا بالإمام محمد بن عبدالوهاب "الذي أسس جماعة عاملة للدعوة إلى الله، ولم ينتظر إذن خليفة المسلمين في الأستانة آنذاك ولا نائبه الشريف بمكة، ولا أمرائه المتفرقين في نجد والجزيرة، وذلك بعد أن عم الجهل وانتشر الشرك، وفشا الزنا، وتركت أحكام الإسلام.. ولذلك أسس شيخ الإسلام ابن عبدالوهاب جماعة وعهداً وبيعة، بل نظاماً سياسياً كاملاً مصغراً بدءاً بالدعوة إلى التوحيد ونشر الإسلام وتعليم أحكامه، وانتهى بالقتال في سبيل الله دفاعاً عن النفس والعقيدة وهو في كل ذلك لم يعلن خروجاً عن الخلافة، ولا أنه هو وحده الجماعة الإسلامية، وإن كان أعداؤه قد اتهموه بذلك.. ولكنه بريء من ذلك فما كان إلا داعياً إلى الله على بصيرة، قائماً بدعوة جماعية على مقتضى الكتاب والسنة، تبغي عز الإسلام ونصره، وإعلاء كلمة الله في الأرض، وقد حقق الله له مراده فها نحن نعيش آثار بركة دعوته، وثمرة جهاده..

والخلاصة أن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب قد أقام مشروعه لنصر الإسلام على العمل الجماعي فأسس هو والإمام محمد بن سعود النواة المباركة للدعوة والجهاد الذي أثمر تطهير الجزيرة من الشرك والخرافة، ومن ثم إقامة شرع الله في الأرض ولم ينتظر في ذلك إذن الخلافة، التي كانت تبسط سلطانها على العالم الإسلامي كله من وسط أوروبا والمحيط الأطلسي غرباً إلى حدود إيران شرقاً، ومن القرم والبحر الأسود في أواسط آسيا شمالاً إلى بحر العرب جنوباً.. وينضوي تحت لوائها أكثر من مائتي مليون مسلم في ذلك الوقت.

الشيخ بن باز سئل الشيخ بن باز هل تعتبر قيام جماعات إسلامية في البلدان الإسلامية لاحتضان الشباب وتربيتهم على الإسلام من إيجابيات هذا العصر؟

فأجاب : وجود هذه الجماعات الإسلامية فيه خير للمسلمين ، ولكن عليها أن تجتهد في إيضاح الحق مع دليله وأن لا تتنافر مع بعضها ، وأن تجتهد بالتعاون فيما بينها ، وأن تحب إحداهما الأخرى ، وتنصح لها وتنشر محاسنها ، وتحرص على ترك ما يشوش بينها وبين غيرها ، ولا مانع أن تكون هناك جماعات إذا كانت تدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

ما هى ضوابط الجماعات الاسلامية؟

1- تحافظ ابتداء على عقيدة صحيحة تنطلق من الكتاب والسنة.

2- تنتهج وسائل وأساليب لا تخالف روح الإسلام وشرائعه.

3- لا تعتبر نفسها جماعة المسلمين بل جماعة من المسلمين.

4- لا تعتبر نفسها فى خصومة او عداء مع الجماعات الأخرى على الساحة.

5- أن تحمل العذر لمن اختلف معها فى المنهج والوسائل، كما قال الشيخ سيد رضا "أن نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه"

6- جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالسعودية ما يلي :
وجود هذه الجماعات الإسلامية فيه خير للمسلمين، ولكن عليها أن تجتهد في إيضاح الحق مع دليله وأن لا تتنافر مع بعضها وأن تجتهد بالتعاون فيما بينها، وأن تحب إحداهما الأخرى، وتنصح لها وتنشر محاسنها وتحرص على ترك ما يشوش بينها وبين غيرها، ولا مانع أن تكون هناك جماعات إذا كانت تدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وعليهم أن يترسموا طريق الحق ويطلبوه، وأن يسألوا أهل العلم فيما أشكل عليهم، وأن يتعاونوا مع الجماعات فيما ينفع المسلمين بالأدلة الشرعية، لا بالعنف ولا بالسخرية، ولكن بالكلمة الطيبة والأسلوب الحسن، وأن يكون السلف الصالح قدوتهم والحق دليلهم، وأن يهتموا بالعقيدة الصحيحة التي سار عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم.
وكل من هذه الفرق فيها حق وباطل، وخطأ وصواب، وبعضها أقرب إلى الحق والصواب وأكثر خير وأعمُّ نفعاً من بعض، فعليك أن تتعاون مع كل منها على ما معها من الحق وتنصح لها فيما تراه خطأ، ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك."
7- وصية بن باز : أن يترسموا طريق الحق ويطلبوه ، وأن يسألوا أهل العلم فيما أشكل عليهم ، وأن يتعاونوا مع الجماعات فيما ينفع المسلمين بالأدلة الشرعية ، لا بالعنف ولا بالسخرية ، ولكن بالكلمة الطيبة والأسلوب الحسن وأن يكون السلف الصالح قدوتهم ، والحق دليلهم ، وأن يهتموا بالعقيدة الصحيحة التي سار عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم .

جاء فى رسالة دعوتنا لموسس جماعة الأخوان المسلمين ومرشدها الأول الإمام حسن البنا الكلام التالى حول أسباب الخلافات وموقف الإخوان منها:
" أتحدث إليك الآن عن دعوتنا أمام الخلافات الدينية و الآراء المذهبية.


نجمع ولا نفرق
اعلم ـ فقهك الله ـ أولا: أن دعوة الإخوان المسلمين دعوة عامة لا تنتسب إلى طائفة خاصة، ولا تنحاز إلى رأي عرف عند الناس بلون خاص ومستلزمات وتوابع خاصة، وهي تتوجه إلى صميم الدين ولبه، وتود أن تتوحد وجهة الأنظار والهمم حتى يكون العمل أجدى والإنتاج أعظم وأكبر، فدعوة الإخوان دعوة بيضاء نقية غير ملونة بلون، وهي مع الحق أينما كان، تحب الإجماع، وتكره الشذوذ وإن أعظم ما مني به المسلمون الفرقة والخلاف، وأساس ما انتصروا به الحب والوحدة. ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، هذه قاعدة أساسية وهدف معلوم لكل أخ مسلم، وعقيدة راسخة في نفوسنا، نصدر عنها وندعو إليها.

الخلاف ضروري

ونحن مع هذا نعتقد أن الخلاف في فروع الدين أمر لا بد منه ضرورة، ولا يمكن أن نتحد في هذه الفروع والآراء والمذاهب لأسباب عدة: منها اختلاف العقول في قوة الاستنباط أو ضعفه، وإدراك الدلائل والجهل بها والغوص على أعماق المعاني، وارتباط الحقائق بعضها ببعض، والدين آيات وأحاديث ونصوص يفسرها العقل والرأي في حدود اللغة وقوانينها، والناس في ذلك جد متفاوتين فلا بد من خلاف.

ومنها سعة العلم وضيقه، وإن هذا بلغه ما لم يبلغ ذاك والآخر شأنه كذلك، وقد قال مالك لأبي جعفر: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأمصار وعند كل قوم علم، فإذا حملتهم على رأي واحد تكون فتنة.

ومنها اختلاف البيئات حتى أن التطبيق ليختلف باختلاف كل بيئة، وإنك لترى الإمام الشافعي رضي الله عنه يفتي بالقديم في العراق ويفتي بالجديد في مصر، وهو في كليهما آخذ بما استبان له وما اتضح عنده لا يعدو أن يتحرى الحق في كليهما.

ومنها اختلاف الاطمئنان القلبي إلى الرواية عند التلقين لها، فبينما نجد هذا الراوي ثقة عند هذا الإمام تطمئن إليه نفسه وتطيب بالأخذ به، تراه مجروحا عند غيره لما علم عن حاله.

ومنها اختلاف تقدير الدلالات فهذا يعتبر عمل الناس مقدما على حبر الآحاد مثلا، وذاك لا يقول معه به، وهكذا..


الإجماع على أمر فرعي متعذر

كل هذه أسباب جعلتنا نعتقد أن الإجماع على أمر واحد في فروع الدين مطلب مستحيل، بل هو يتنافى مع طبيعة الدين، وإنما يريد الله لهذا الدين أن يبقى ويخلد ويساير العصور، ويماشي الأزمان، وهو لهذا سهل مرن هين، لين، لا جمود فيه ولا تشديد.

نعتذر لمخالفينا:

نعتقد هذا فنلتمس العذر لمن يخالفوننا في بعض الفرعيات، ونرى أن هذا الخلاف لا يكون أبدا حائلا دون ارتباط القلوب وتبادل الحب والتعاون على الخير، وأن يشملنا وإياهم معنى الإسلام السابغ بأفضل حدوده، وأوسع مشتملاته، ألسنا مسلمين وهم كذلك؟ وألسنا نحب أن ننزل على حكم اطمئنان نفوسنا وهم يحبون ذلك؟ وألسنا مطالبين بأن نحب لإخواننا ما نحب لأنفسنا؟ ففيم الخلاف إذن؟ ولماذا لا يكون رأينا مجالا للنظر عندهم كرأيهم عندنا؟ ولماذا لا نتفاهم في جو الصفاء والحب إذا كان هناك ما يدعو إلى التفاهم؟

هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخالف بعضهم بعضا في الإفتاء فهل أوقع ذلك اختلافا بينهم في القلوب؟ وهل فرق وحدتهم أو فرق رابطتهم؟ اللهم لا وما حديث صلاة العصر في قريظة ببعيد.

وإذا كان هؤلاء قد اختلفوا وهم أقرب الناس عهدا بالنبوة وأعرفهم بقرائن الأحكام، فما بالنا نتناحر في خلافات تافهة لا خطر لها؟ وإذا كان الأئمة وهم أعلم الناس بكتاب الله وسنة رسوله قد اختلف بعضهم مع بعض وناظر بعضهم بعضا، فلم لا يسعنا ما وسعهم؟ وإذا كان الخلاف قد وقع في أشهر المسائل الفرعية وأوضحها كالأذان الذي ينادى به خمس مرات في اليوم الواحد، ووردت به النصوص والآثار، فما بالك في دقائق المسائل التي مرجعها إلى الرأي والاستنباط؟

وثم أمر آخر جدير بالنظر، إن الناس كانوا إذا اختلفوا رجعوا إلى (الخليفة) وشرطه الإمامة، فيقضي بينهم ويرفع حكمه الخلاف، أما الآن فأين الخليفة؟ وإذا كان الأمر كذلك فأولى بالمسلمين أن يبحثوا عن القاضي، ثم يعرضوا قضيتهم عليه، فإن اختلافهم من غير مرجع لا يردهم إلا إلى خلاف آخر.

يعلم الإخوان المسلمون كل هذه الحيثيات، فهم لهذا أوسع الناس صدرا مع مخالفيهم، ويرون أن مع كل قوم علما، وفي كل دعوة حقا وباطلا، فهم يتحرون الحق ويأخذون به، ويحاولون في هوادة ورفق إقناع المخالفين بوجهة نظرهم. فإن اقتنعوا فذاك، وإن لم يقتنعوا فإخوان في الدين، نسأل الله لنا ولهم الهداية.

ذلك منهاج الإخوان المسلمين أمام مخالفيهم في المسائل الفرعية في دين الله يمكن أن أجمله لك في أن الإخوان يجيزون الخلاف، ويكرهون التعصب للرأي، ويحاولون الوصول إلى الحق، ويحملون الناس على ذلك بألطف وسائل اللين والحب."

No comments: